dimanche 2 mai 2010

كم كرهت هذه البلاد...لا خير في سلطتها و لا أمل في معارضتها

كيف وجد جابر ذاك" المرماجي" البسيط نفسه في غياهب السجون و بصفة سجين انتماء؟ كيف وصل ذاك الراعي الأمّي البسيط إلى قاعات المحاكمات والمثول أمام القضاء في محاكمة سياسية بحتة, هو الذي لا يعرف حتى كتابة اسمه أو قراءته؟

تبدأ رواية "رغم أنفك" لعبد الجبّار المدّوري لحظة يخرج جابر,عامل الحظيرة البسيط للتجوّل قرب حظيرة البناء التي يعمل بها و ذلك بعد يوم كامل من العمل المضني و المرهق, لتضعه الصدفة أو هي لعنة الأقدار أمام سيارة شرطة كانت تلاحق رفيقين من حزب معارض كانا يقومان بطلاء بعض الشعارات على الجدران و بتوزيع بعض المناشير بإلقائها تحت أبواب بعض البيوت في تلك المنطقة.يقوم رجال "الحاكم", و هي التسمية التي يطلقها التونسيون على رجال الشرطة, بإيقاف جابر و اقتياده إلى مركز الشرطة للتحقيق معه خاصة و أنّه قد ضبط و هو يحمل أحد المناشير الذي حمله حب الاطلاّع على أخذه من تحت أبواب أحد البيوت .
وهكذا تبدأ رحلة معاناة جديدة لجابر الذي طالما عاش المعاناة و الحرمان و الظلم و القهر مذ كان يعمل كراع بمنطقة "غار الثعلب" الريفية النائية, حيث كان يعيش مع والدته .فقد كان مالك القطيع الذي يحرسه لا يبخل عليه و على والدته بالشتائم و الإهانات المختلفة .يبدأ جابر في اكتشاف معاملات رجال الشرطة و هو ما يزال في سيارتهم في فيسمع عبارات من قبيل" بلّع فمّك... اسكت "لا أعرف " و "خاطيني" لا نريد سماعهما ...نريد أن نعرف كلّ شيء مفهوم "و "ههه أين وصلتم مع ولد القحبة؟" ليفهم أنّ كلّ ما يسمع عنه من أنّ رجال الشرطة في خدمة المواطن و أنّ كلّ ما يحتويه ميثاق رجال الأمن من التزام بالسهر على راحة المواطنين و مبادرة بالتحية عند كلّ تدخّل و غيرها لا تعدو أن تكون سوى شعارات توضع في أطر لتزيّن بها مراكز الأمن.
ّ ينتقل جابر إلى طور التحقيق و ما يرافقه من تعذيب و إهانات و ننتقل معه , فيكتشف و نكتشف الطرق البربرية الدنيئة المستعملة في الاستنطاق بداية من الركل و اللّكم و التعليق في وضع "الفرّوج" وصولا إلى بيت عزرائيل التي قلّما خرج منها موقوف سالما دون عاهة مستديمة أو إعاقة , هذا إذا خرج منها حيّا.فأغلب من دخلوها لم يخرجوا منها أحياء بل خرجوا جثثا هامدة .

و هاأنّ جابر يدخل سجن الإيقاف و ها نحن نرافقه إلى تلك الزنزانة الضيقة المتّسخة , كريهة الرائحة , الضيقة بنزلائها , و هناك نلتقي "حندوس" بصيص الأمل في عتمة الزنزانة.

و نحن نعايش معاناة جابر و مظلمته نكتشف في نفس الآونة شخصيات أخرى , ففي الرواية مراوحة بين قصّة جابر و نضالات مجموعة من الشبان الذين أبوا إلاّ أن يخاطروا بحياتهم من اجل التصدّي للظلم و القمع و الاستبداد و من أجل خير وطن يرزح تحت أعباء دكتاتورية قامعة و خانقة فنكتشف فقرهم و تضحياتهم و مخاطراتهم بأنفسهم. هم مجموعة من الرفاق قبلوا بالعيش في السرية و بالفقر و الجوع , هم يكتبون المناشير ويقومون بتوزيعها رغم ما يشكّله ذلك من خطر.و الذين تبنّوا قضية جابر في وقت لاحق و جعلوا من البحث عن والدته العجوز المفقودة مهمّتهم الأساسية. و نتعرّف على سارة تلك الممرّضة التي اعتنت بجابر بعد إقامته ببيت عزرائيل و التي ستلعب دورا أساسيا في آخر الرواية. و يظهر حسن ذلك الرفيق المتخلّي الذي اختار الابتعاد عن النضال و التحق للعمل بصحيفة لا علاقة لها بالحقيقة سوى العنوان.


و ها أنّ جابر يودع سجنا آخر فندخل معه إلى الغرفة المكتظة و نكتشف حياة السجن فنتعلّم عبارات مثل "الاريا" و "الكدس"و "السيلون" و "الفلقة" و "القاميلة "و "الكبران" و نلاقي الرفيق محمود هذا السجين السياسي الشيوعي الذي سيتبنّى جابر و يحاول مساعدته في السجن و خارجه فطالما ما رنّت كلمات محمود في أذني جابر و هو في أتعس حالته فلقد قال له و هو يجاوره في "السيلون"ز "إيّاك أن تفكّر في الموت يا جابر , الموت يبدأ بمجرّد التفكير فيه سنظلّ أحياء بالرغم عنهم ... لن نموت يا جابر ... لن نموت لن نموت . و نتعرّف على المعاملات داخل السجون و نعايش الخصومات بين المساجين . و نشهد معاناة عائلات المساجين السياسيين و ما يلقونه من ضغوطات و إهانات و معاناة. و نعرف أكثر عن استقلالية القضاء على هذه الأرض الطيّبة و عن نضالات نفر من المحامين خيّروا خدمة الوطن و الدفاع عن الحق على ملء جيوبهم بالأموال .

و يهرب جابر من السجن يوم محاكمته...

تقرأ الرواية فتحرّك فيك العديد من الآلام و الأوجاع فعلى الرغم من أنها كتبت في سنة 1994 إلاّ أن دار لقمان بقيت على حالها, نفس الاختناق , نفس السجون الصغيرة و الكبيرة ,نفس القبضة التي تكبّل الحريات و خاصة منها حرية الإعلام و الصحافة .يهزّك الألم يعصرك , تشعر بالذنب أحيانا و بالقهر أحيانا أخرى , فأنت عاجز أمام هذا الكمّ الهائل من الظلم , لابل أنت تخيّر الصمت إزاءه عملا بالمثل القائل "اخطى راسي و اضرب" فالطلبة شحّ اهتمامهم بالشأن العام إن لم نقل انعدم و أحزاب المعارضة دخلت في حسابات ضيّقة جدّا صرفتها عن المشاكل الحقيقية لمجتمع برمّته . الرواية دعوة للتفكير فمثل ماوجد جابر نفسه ملقا في السجن لذنب لم يقترفه فقد نمرّ كلّنا بنفس الوضع و نعيشه .



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

مجرد رأي

نحن شعب لا يتعظّ من ماضيه و لا يحفظ دروس التاريخ و كأنّني بنا شعب قصير الذاكرة أو دعوني أقول معدوم الذاكرة. تستهوينا بعض عروض التهريج في مج...